إنّ موطن الذكاء هو الدّماغ، ويعمل الدّماغ عن طريق استقبال رسائل في السيّالات العصبية الكيموكهربية تتكون من خلية أو مجموعة خلايا، وتنتقل بسرعة لا تتجاوز أجزاء قليلة من الثانية من مصدرها الخلوي إلى أعضاء الجسم المختلفة المعنية بإصدار السلوك المطلوب، ويعرّف الذكاء بأنه الإدراك الصحيح للحوادث والأشياء وإنتاج ردود فعل سلوكية أو عقلية صحيحة ومناسبة، فالإدراك هو المفهوم الأساسي في الذكاء، وقد تعددت النظريات التي حاولت تفسير الذكاء ومن تلك النظريات: نظرية العوامل المتعددة لثورندايك، ونظرية العاملين لسبيرمان، ونظرية العوامل الطائفيّة لثيرستون، وتعد أهم نظريات الذكاء هي نظرية الذكاءات المتعددة لغاردنر.
عديدة هي النظريات التي تناولت مسألة الذكاء ، كنظرية بياجيه والنظرية السيكومترية ، و ما يجمع بين هذه النظريات كونها تتفق كلها في القول على أن الذكاء بنية متكاملة والأداء في مهمة ما، يرتبط بالأداء في مهام أخرى. وجل هذه النظريات يركز على الجانب الخارجي (المظهر) لعملية التعليم و التعلم ولم تصل إلى جوهر الطالب و تحليل قدراته الفعلية كالذكاء مثلا والقدرة على مواجهة المواقف والمشاكل و إيجاد الحلول و التوصيفات لمثل هذه المسائل والمواقف.
غير أنه و في سنة 1983 ، سيحدث عالم نفس أمريكي زلزالا في المسلمات المتعلقة بالذكاء البشري، حيث أوضح هوارد جاردنر Howard Gardner من خلال ملاحظته لأطفال ما قبل المدرسة عدم صحة هذه المسلمات، قائلا أن كثيرا من معلمي أطفال ما قبل المدرسة ، يدركون أنه يمكن أن يكون لدى طفل معين مهارات العلاقات بين الأشخاص أو ما يسمى الذكاء الاجتماعي، بينما يكون لدى طفل آخر ذكاء رياضي . هذه الميول والنزعات لا تظهر فجأة بل من خلال مرور الأطفال بمواقف وأنشطة تحتوى على هذه الذكاءات.
و هكذا قام هوارد جاردنر Howard Gardner بإعادة النظر جذريا فيما يتعلق بالذكاء وآثاره على العملية التعليمية التعلمية ، وتقدم بنظرية جديدة عن الذكاءات المتعددة في كتابه ” الأطر العقلية ”، ” Frames of Mind ” ، رافضا فكرة الذكاء الواحد و مؤكدا على وجود العديد من القدرات العقلية المستقلة نسبيا لدى كل فرد أطلق عليها ” الذكاءات البشرية ” لكل منها خصائصها وسماتها الخاصة بها . فما هي إذن هذه النظرية التي غيرت إلى الأبد مفهوم الذكاء البشري ، و ما أثرها على المنظومة التعليمية ؟
هذا الدرس يقدم لك الشرح الكامل للدراسات السابقة للذكاء و التطور في النظريات المقدمة لدراسة الذكاء و علاقته بآلية عمل العقل، و كذلك تقديم أنشطة تطبقية لنظرية الذكاءات المتعددة في مجال علوم التربية و علوم الطفل بشكل تطبيقي تفاعلي.